رشفةٌ برشفة

صباح يوم جديد، فيه تغاريد العصافير أطرب وجداني، ورائحة الزهور تنفستها روحي، صباح غير اعتيادي. ألقيت التحية على النادل وأخترت زاويةً كعادتي، وطلبت قهوتي المفضلة (قهوة مزدوجة بالحليب – coffee latَe double shot)، وصل الفنجان وبين الدخان تراءيت مشهداً، حوارٌ بين شخصين أحدهما كان أنا والآخر لا أدري من يكون، فقد بدا هالة ممزوجة بعدة ألوان، البياض سيدها.

دعني أطلب لك فنجان قهوة ،، آه عفوا، أتشرب القهوة ؟

قال : لا، شكراً، لا أحب القهوة .. 

قلت : لا أستطيع أن ابدأ يومي بمزاجٍ عالٍ دون أن احتسي كوباً من القهوة.

قال : إذن اسمح لي أن أكون قهوتك لهذا الصباح، وابتسم

صَمَتُّ، وارتشفت قليلاً من قهوته، فغيبني مذاقها لوهلةٍ ثم عاد إليَّ رشدي.

قلت : أتدري أين شرد ذهني منذ برهة.

ابتسم وكأنه يعلم : أين يا ترى؟  ..

حينها أخبرته بما حدث وما قد فعل الصمت بي.

قال : إذن قد أسكرك مذاقها،، قالها بابتسامة أوسع

ثم أردف : هذا طريقٌ مُرُّهُ حلوٌ، فكيف بحُلوهِ ، فكن على حذّر أن تجعل لك مسافة للقرب ولا تجعل لك مسافة للبعد كي لا تبتعد.

صمتٌ أخر، إلا من ضجيج تلاطم أمواج أفكاري.

قاطع صمتي قائلاً : القهوة تقدم ساخنة، فلا تستعجل كي لا تحرق شفتيك ولا تهملها فتبرد وتفقد سرها، رشفةً برشفة.

قلت مندهشاً : من أنت؟ وما تكون؟

قال : من وجدني ضاع والنَّاس تسعى لإيجادي، أنا ماءُ من به عطشٌ ولست بالماء، أروي ولا يشبع مني.

قال : لعلك قد عرفت من أكون؟، فأخبرني أنت من تكون؟

قلت : سأخبرك من أكون، لكن هل أنا من وجدك؟ أم أنت من وجدني؟

قال : الله الذي أوجدنا جميعاً .. وابتسم

قلت : لم يكن ذلك القصد من سؤالي !!

قال : جوابي منطويٌ في جوابي

أومأت برأسي متمتماً :  كلٌّ منا يبحث عن الآخر.

قلت : الآن لك جواب سؤالك، أنا العاشق الذي يبحث عنك وأنت العشق الذي يبحث عني، ها قد وجدنا بَعضنا والتقينا، فأنت الحب وأنا الحبيب، كما قال جلال الدين الرومي :

“أنَا أحب الحب والحُب يُحبني , فَتَحت ذراَعيّ للحُب والحب احتضنَنَي كَحَبَيب”

ضحك وقال لقد ضعتَ من رشفة !

ثم أكمل قائلاً : أوليس جلال الدين الرومي القائل: 

“سأل سائل : ما هو الحب ؟ فجاءه الرد: ستعرف عندما تضيع فيه”

ختمت حديثي معه مستمتعاً بكل رشفة قائلاً له : الكلام رزق المستمع .. شكراً لك

فأجاب : أعلم أنه لا بُعد بعد القرب.

فأجبته : ألم يقولوا “المسافة آفة”

انتهى …

تحياتي

عمر بن يحيى الجفري