أوراق الخريف

  

تتسارع الأيام في انقضائها على غير المعتاد ويتزايد معها انشغال البال بما تشهده الساحة من معترك سياسي سياسي، ومعترك ديني ديني، ومعترك سياسي ديني حديث العصر وهو الأخطر.

 لا ارى لهذه المعارك من منتصر بل إن ما سينتج عنها هو إراقة للدماء وزهق للأنفس بغير حق.

نعم حقيقةً هنالك من على أرض الواقع سينتصر تماماً كالمنافسة في المباريات لابد أن يكون هنالك منتصر ومهزوم ولكن هل انتهت المواجهة بينهم؟ لا.. لم ولن تنتهي في ظل وجود جمهور وكيان للفريق “كل حزب بِمَا لديهم فرحون”، بل ستتجدد مع بداية كل موسم، ونجد أن هناك فرق كبير بين أن يفوز منافسك بمنصب إداري أو حكومي أو غيره، كان ذلك بجدارته أم بالإنتخاب، وتتقبله، وتقف رافع القبعة احتراماً، ومصفقاً له، وآخذاً بيده للخير، فإن رأيت باباً للنقد، أن تطرحه وأن تعمل على أن يكون بَناءاً، وبين أن تضمر له الشر من فعلٍ أو قولٍ يزيد من وتيرة المنافسة وتغدو صراعاً؛

“بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه”

استمرار المعارك يخلق صراعًا على الساحة ينعكس على الحالة الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، إذ أن الأخيرة أصبحت عنق الزجاجة لدى الشعوب عوضًا عن أن تكون هي الوعاء الذي يستوعب الجميع.

تجاهلنا و تقاعسنا عن الأخذ بالعلوم الربانية وأعني بذلك كتاب الله وسنة سيدنا محمد ﷺ وشمائله الصالحة لكل زمان ومكان، بلا شك مهد المعبر الذي مَلَكَ العلوم الإنسانية الأكاديمية منا والتي لا تستند إلا لوقائع وتجارب صلحت في زمن وقد لا تصلح في زمن آخر، لا أعني عدم الأخذ بها ولكن عدم جعلها هي المرتكز، ونحن الآن في مرحلة الحداثة بل مرحلة ما بعد الحداثة ومازلنا للأسف نعيش تحت ظلال خطاب إسلامي بدأ مؤخراً يستدرك ويعاصر معطيات العصر من بعض العلماء لأنهم وعوا المسألة، ومن وجهة نظري أرى أن أكبر تحد يواجه علماء هذا العصر إن صح التعبير هي حداثة أسئلة الشباب التي لم تأت من فراغ.

رجوعا للمعارك فقد شهدت الساحة العربية مؤخرا أخطر معاركها وهو المعترك السياسي الديني وكلنا شهد التضاد والتناقض قبل وبعد “الخريف العربي” الذي أدى بالصادق من الشباب الذين خرجوا واستقطبوا في هذه الظاهرة لطرح أسئلتهم بسبب:

١- افتقار الخطاب الإسلامي ورجاله إلى فهم لغة الشباب واهتماماته

٢- الصدمة التي اصابتهم بسبب أفعال وأقوال ممن ادَّعوا وقالوا”نحن الدين” .

نحن نعاني من عدة أمور جالت في الخاطر خلفه المعترك “السيوديني”:

١- استسلام البعض لأهوائهم وما تمليه عليه أنفسهم ضاربين بالأمور عرض الحائط رافضين الاستماع لمن ينتسبون للدين والإسلام لأنهم لا يميزونهم.

٢- ظهور المتشككين في الدِّين

٣- علو صوت الإلحاد

وقد جالست في شهر أبريل ٢٠١٤، مجموعتين مجالسة السامع لا أكثر إحداها أقرب إلى الإلحاد والأخرى في مرحلة التشكك أو كما وصفهم سيدي الشيخ علي جمعة في جملة حملت تعبير محبة منه لهؤلاء الشباب فقال باللهجة المصرية: “هم بس واخدين في خاطرهم من ربنا”.

فقد وجدت ولمست فيهم بكل صراحة أقولها صدق الطلب “طلب الحقيقة” أكثر بكثير من خطباء على المنابر يهتفون كل ليلة وصباح بالقرآن والسنة ولا نجد ترجمتها في أخلاقهم.

ولذا أقول أين الوعاء الذي يستوعب ويشخص ويعالج هذه المعضلة، إذ إن استمرارنا بالكي ليس علاجاً ولا له صلة في وعاء الاستيعاب.

ختاما اخوتي:

هذا دين الله لا دينكم، لا تنسبوه لأنفسكم بل لجلال قدره، فلتأخذوا دينكم بعين العقل، وبعين المحبة، وبعين الرحمة. 

هل تتذكرون عين الرحمة التي كانت على محياه صل الله عليه وسلم عندما مرت أمامه جنازة اليهودي، نحن بحاجة إليها.

وهل سمعتم حديث عين المحبة الأخوية التي ملأت وجدانه صلى الله عليه وسلم في حديثه “وددت أني لقيت إخواني”، فهل أعددتم لهذا اللقاء، هي لا شك مسؤولية من رضوا بحمل هذا الدين على عاتقهم ويكونون له حراسا، وكذلك هي مسؤوليتنا بالعمل بمقتضى ما يوصل لنا منهم وقبل ذلك معرفة من هم أهل هذا الدين.

أهل الدين هم الذين لم تصل إليهم السياسة بل هم الذين أوصلوا الدين لأهل السياسة

“أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة ولا يصل أهل الدين إلى السياسة”… الشيخ محمد متولي الشعراوي

تحياتي

عمر بن يحيى الجفري

2 comments

  1. “هل تتذكرون عين الرحمة التي كانت على محياه صل الله عليه وسلم عندما مرت أمامه جنازة اليهودي، نحن بحاجة إليها.”

    Like

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s