لم أعد أخشى الموت

أمسيت أفكر في الموت كثيراً لدرجة أنني خشيت النوم خوفاً من أنني لن أفيق، وقد تكرر هذا الشعور مراراً. فيا ترى هل هذا ما يسمونه اليأس من الحياة، أم أنه جرس الاستعداد للرحيل؟ حقيقة لا أدري!، وإذا كان بالفعل منبهاً للرحيل، هل أملك رصيداً كافياً من الأعمال الصالحة التي ستغفر لي أو على أقل تقدير تجعلني قادرًا على الإجابة عن أسئلة منكر ونكير -الله ربي ومحمد نبيي والإسلام ديني-.

 “دع المقادير تجري في أعنتها .. ولا تبيتن إلا خالي البال”

 هي الحياة الأبدية

كن على يقين بأن موتك حياة أخرى وما هو إلا انتقال إلى الحياة الأبدية، فالموت كما عرفه أهل العلم هو انتقال الروح من هذه الحياة الزائلة إلى الحياة الأبدية الدائمة، وما أنت إلا في طور المرحلة التأهيلية فاستعد وأعد نفسك للانتقال، فخوفي من أنني لن أفيق هو اعتراف حالٍ بنقص العدة والعتاد التي ما إن توفرت أهلت وأسعدت.

 “الموت : هو طور آخر من الأطوار ، ونوع آخر من الترقي ، وضرب آخر من الولادة ، والانتقال من عالم إلى عالم “

-الشيخ الغزالي-

يخاطبني فأبتسم

“أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء” –حديث قدسي-، دائما عندما أتذكر هذا الحديث تدخل الطمأنينة إلى نفسي وينتابني الشعور بالتفاؤل وأجدني لا إرادياً أبتسم ، فأنا ظني به كبير مع كل الهواجس والوساوس التي تراودني. هي الحياة في جعبتها الفرح والحزن، تمر علينا المشاكل والمصائب بأشكالها، نشتكي من كل شيء، من مرضٍ، ومن وظيفة، ومن سوء فهم، ومن صديق، ومن ومن ومن، حتى جعلناها تتراكم ككتلة من الهموم على أعتاقنا فأحنت ظهورنا. هي صحيح تسمى مشكلة ولكن لكل مشكلة حل، فبالتالي لا توجد مشكلة.

“من جعل اللهَ همّه كفاه ما دونه”

أمْسُكَ وغَدِك

نحن نؤمن بأن كل ما نحن عليه هي تدابير يدبرها لنا الله لسبب يعلمه وقد نجهله، الحياة ما هي إلا مَعبر، فلا ننشغل ونضيع الوقت بالتفكير بما هو مدبر وآتٍ “غدك”، ولا أن نتحسر على ما فات من الأوقات “أمسك”، قال العالم الرباني شقيق البلخي: “إن حسرة الأمور الماضية وتدبير الآتية قد ذهبت ببركة ساعتك هذه”، فلنلزم الصبر على ما يثقل علينا “إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ”، ونكثر من الحمد على ما كان خيراً، فالحمد شكر “لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ”، ففي كلتا الحالتين نؤجر، والنَّاس في ذلك درجات ومراتب.

 “ما مضى فات والمؤمل غيبٌ .. ولك الساعة التي أنت فيها”

 الأثر الجميل يبقى عبقه

كلنا سيموت، وما دمنا نعلم هذه الحقيقة، حقيقة الذهاب بلا عودة ، فلم لا نجعل لنا أثراً قبل الرحيل في قلوب من حولنا؟ فلعلهم يذكروننا بدعاء يؤنسون وحدتنا أو يزورون قبورنا فيحدثوننا بألسنتهم ونحدثهم بأرواحنا، كما لا ننسى أن نجعل لنا أثراً بيننا وبين الله، ليس شرطاً أن يكون أثراً يرى أو يلمس، فسجدةُ ذلٍ وخضوعٍ لله ترفعنا، فهي عزة لنا يوم اللقاء. فأنتم يامن تقرؤون هذه الكلمات الآن، أنتم لم تموتوا بعد فالفرصة ما زالت قائمة وسانحة لكم للبحث عن الأثر، هناك من رحلوا بالأمس ولم نعد نذكرهم الآن، وهناك من رحلوا منذ سنين وما زلنا نراهم ونسمعهم.

 وخـذْ لكَ زاديـنِ : مـن ســيرة .. ومــن عمــلٍ صالــحٍ يــدخــرَ

وكن في الطريقِ عفيفَ الخُطا .. شريفَ السَّماعِ، كريمَ النظر

ولا تخْـلُ من عملٍ فـوقَه تَـعـشْ .. غـيـرَ عَــبْــدٍ، ولا مـــُحــتَــقَـر

وكــن رجــلاً إن أتـــوا بـعـــده .. يـقولـون : مــرَّ وهــذا الأثــرْ

-أحمد شوقي-

 وفي خاتمة ما سطره القلم، أرجو أن نكون من أهل القلوب الحية معنى وصورة لنُذكر بعد الممات ونأنس تحت التراب. نحن سنعود من حيث أتينا، من ساحة أول لقاء، من ساحة الشهادة التي شهدنا فيها بأرواحنا بأنه الله، ساحة الأرواح، ساحة “أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قَالُوا بَلَىٰ ، شَهِدْنَا”، سنعود أدراجنا وسنلتقي وليكن ظنكم بربكم كبيراً وستبتسمون.

 

-الإمام الحداد-

تحياتي

عمر بن يحيى الجفري

6 comments

  1. يوماً ما رأيت الموت و قابلته لكنه مر من جانبي و لم يراني
    حينما تشتد عليّ الحياة اتمنى الموت و ارى فيه راحة وهدوء
    و حينما قبلت الحياة و احببتها قبلت الموت فأبتعد أكثر
    قبلت الموت
    و لكن
    على هذه الأرض ما يستحق الحياة “محمود درويش”
    في
    رائحة المطر و قُبلة طفل و رقصة مجنونة و ضحكة أمي

    فأنا لم أعد اخشى الموت أن يأخذني.. اخشى فقط من
    حزنٍ سيصيب أمي

    بالرغم ان عدتي جاهزة
    عمل صالح “ربما” و أثر طيب “على مايبدو” و ربٌ كريم

    Like

Leave a Reply