قديماً كان الكل يتجنب القدوم إلى دولة الإمارات العربية المتحدة باحثين عن بلدان أخرى للعيش، أما الآن وبعد أن أثمرت الفكرة ثمارها أصبح الكل يتهافت للقدوم إليها، أصبحت وجهة الجميع ليس فقط إلى من في الجوار فحسب بل وإلى العالم أجمع أيضاً. المسألة برمتها ماهي إلا فكرة أبدع صاحبها فن زخرفتها بعد أن ألهمه الله إياها، إذ أن الجميل في ذلك انه لم يحتفظ بها لنفسه بل اجتهد وسعى حتى أصبحت الفكرة أنموذجا يحتذى به وهي فكرة “الاتحاد” وهو زايد ابن سلطان آل نهيان.
حضارة الاتحاد
“الحضارة: هي جملة العوامل المعنوية والمادية التي تتيح لمجتمع ما أن يوفر لكل عضوٍ فيه جميع الضمانات الاجتماعية اللازمة لتطوره، فالفرد يحقق ذاته بفضل إرادةٍ وقدرةٍ ليستا نابعتين منه، بل ولا يستطيعان ذلك، وإنما تنبعان من المجتمع الذي هو جزء منه”
-مالك بن نبي-
كنا مجتمعات متفرقة وأصبحنا مجتمعاً واحداً، فصنع حضارة
ومن قصة قصيرة فقط أثبت لكم امتزاج عامل الحافز المعنوي والموجود المادي في صناعة حضارة الإمارات وهي قصة الطفل عندما قابل الشيخ زايد في احدى المناسبات وحدثه الشيخ زايد قائلا: هل ترى هذه المدارس في أبوظبي يا ولدي ويجيبه بنعم، ويقول له أنا بنيتها كلها من أجلك أنت.
“إن تعليم الناس وتثقيفهم في حدّ ذاته ثروة كبيرة نعتز بها، فالعلم ثروة ونحن نبني المستقبل على أساس علمي”
-زايد بن سلطان آل نهيان-
وهناك حدث آخر عندما كان أحد الأشخاص يثني على الشيخ زايد وأكثر من الثناء وهو يقول: أنت علمت وأسست ولك فضل وأعمال خيرية في جميع الأقطار، فرد عليه الشيخ وقال يا فلان نحن كنا قبل 30 سنة فقراء لا نجد الماء ولكن الله نظر إلينا وأكرمنا”. فمن هذا المنطلق وهو شهود قلب الشيخ زايد للفضل الرباني جعل من المادة مفهوم أمانةٍ سخرت لتعمير الإنسان قبل الأوطان، فهذه حضارة امتزجت فيها العوامل المعنوية والمادية وفوق ذلك الأخلاقية التي تسمو بالتواضع.
“إذا كـان الله عز وجل قد منّ علينا بالثروة فإن أول ما نلتزم به أن نوّجه هذه الثروة لإصلاح البلاد، ولسوق الخير إلى شعبها”
-زايد بن سلطان آل نهيان-
وأذكر أن الوالد في مطلع السبعينات جاء لدولة الامارات وأخبرني أنه رأى الشيخ زايد رحمة الله عليه يقوم بغرس الفسيل وريه كأي فرد عادي في المجتمع، فهذه صورة من عدة صور غرسها الشيخ زايد في شعبه أنتجت ثقافة التواضع بين الراعي والرعية أي في المجتمع، فوجود قدرة وإرادة لدى الراعي في تقديم العون أوجدت في الفرد وبالتالي في المجتمع. هذا المفهوم من قدرة وإرادة قدوةً بالراعي. “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”
“يا عيال زايد تربية راعي الباس”
قالها الشيخ محمد ضمن أبيات شعرية جميلة، ومؤخراً أصبح المجتمع يكرر مصطلح #عيال_زايد، نعم الكل عيال زايد مواطن ومقيم بلا استثناء ولكن أن يتماشى هذا المصطلح مع مفهوم القدرة والإرادة التي كانت في الوالد الشيخ زايد رحمة الله عليه، ولا ينبغي أن يكون تكرار هذا المصطلح ديدناً في كل حدث لا يرقى ولا يثمر، فكلنا عيال زايد في الأعمال الخيرية وكلنا عيال زايد في درء المفاسد وكلنا عيال زايد في عمارة الأرض وكلنا عيال زايد في الأخلاق والتواضع وكلنا عيال زايد في التنافسية البناءة، وأتذكر في هذا الصدد كلمة الشيخ محمد بن زايد عندما قال: “أرجو أرجو إنها تنقال في المكان الصح وفي الزمان الصح وفي العمل الصح”
لن يختلف معي عاقل على نهضة الإمارات ومقارعتها الدول المتقدمة ومن سيخالفك في هذه الجزئية ستجد أن خلافه يأخذك لخلاف في اصله سياسي أو لخلاف في مفهوم الدين المراد تسيّسهُ وهو أمر مرفوض، جرده من ذلك وسيتفق معك، وتكفي مبادرة تحدي القراءة وحدها التي أقيمت في دبي مؤخراً عناء أن تدخل مع أحدهم في خلاف أو جدل.
يقال إن الحضارات تتقهقر بضعف يطرأ على قوة الإبداع تستلزم من المجتمع أن يعمل بشكل منظم لردع هذا التحدي، أرى أن هذا القول هو الذي يضعف أمام دولة كدولة الإمارات العربية المتحدة التي تشهد مؤشرات للعمل المنظم ولقوة الإبداع.
أختم وأقول أنه لابد وللماضي من أثر على حاضرنا، فلولا ماضينا لما حققنا حاضرنا، لا توجد شجرة بلا جذور فبالتالي لا يوجد ثمر.
“لابد من الحفاظ على تراثنا؛ لأنه الأصل والجذور، وعلينا أن نتمسك بأصولنا وجذورنا العميقة”
-زايد بن سلطان آل نهيان-
تحياتي
عمر بن يحيى الجفري