كثيرون هُم مشاهير التواصل الاجتماعي، تختلف بيئاتهم وطبقاتهم الاجتماعية وكذلك مشاربهم الفكرية وبالطبع تختلف أفكارهم ونمط عرضها، منهم من يضحكك غباؤه ومنهم من تضحكك موهبته وأسلوب عرضها ومنهم من تشدك أفكاره وثقافته ولسان حالك يقول هل من مزيد. وأما السواد الأعظم فلا ناقة لهم ولا جمل “مع الخيل ياشقرا” فنقول لهم سلاما.
أثار دهشتي مقطع مرئي دق ناقوس الإنذار في عقلي وشدني لأكتب هذا المقال، إذ إن المقطع يستنتج منه أن هنالك عدداً مِن مَن يتصدرون عرش وسائل التواصل الاجتماعي لا يقرؤون، بل لا يذكرون متى كان آخر كتاب قرؤوه وبعضهم اكتفى بأن قال لا أقرأ غير القرآن الكريم، وهذا جميل وجزاهم الله خيراً، ولكن ..
هذا المزيج أو التنوع الموجود بين مشاهير التواصل الاجتماعي مطلوب وأرى أنه تنوع صحي، فقد بدأ المجتمع يفكك ويسمي هذا التنوع ويقولبه أو يصنفه ضمن مسميات معينة لكل فئة إن لم تكن رائجة فهي أصبحت كالعُرف، كأن نقول هذا الشخص أو الفاشونيستا من فئة المحتوى الفارغ اللاشي أو المحتوى الفكاهي الساخر/الناقد أو المحتوى الديني المعتدل/المتطرف أو المحتوى الطائفي العنصري، وأكاد أجزم بأن هذا الوعي أصبح موجوداً لدى الجميع، وحرية من تتابع ومن أتابع حرية شخصية.
مع كل الاحترام للأشخاص الذين يمثلون هذا التنوع بمختلف أفكارهم إن ترجمت إلى محتوى كتابي أو إلى محتوى مرئي، إن غابت المكنة الثقافية أو الحس الثقافي والذي منبعه الأساسي القراءة والاطلاع فعذراً !! شهرتكم نقمة على أبنائنا والمجتمع، أن يكونوا متابعين لشخصية مشهورة يرى أنها قدوة لهم ويكتشفوا أن هذه القدوة لا تقرأ وغير مطلعة، إذن هذا ما سيؤول إليه الواقع وغداً لا نندهش بواقع يكون فيه أبناؤنا ضحلي المعرفة والاطلاع وهؤلاء من كانوا قدوتهم ومن صاحبوهم افتراضياً “قل لي من تصاحب أقل لك من أنت”.
“ادفن وجودك في أرض الخمول فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه” … ابن عطاء الله السكندري
أرى أن من يريد أن ينال نصيب الشهرة أن لا يستعجل الطلب والسعي وأن يكون معنى ما قاله ابن عطاء الله رحمه الله دستورا ننتهجه في هذا المسلك، كيف؟ وهو بأن نبتعد عن الأضواء والظهور بالتوازي مع صقل الذات بالقراءة والاطلاع والبحث عن البيئة التي تساعد في تكوين الشخصية التي ما إن ظهرت برزت عن ثقافة تبني القيم والأخلاق ولا تهدمها، والمقصود من الخمول هنا البعد عن مراءاة الناس والتصدر بغير حق أي ضد الشهرة وليس بمعنى الكسل والتقاعس فقد قال ﷺ “اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل”. فإن كنت مستعداً فطبق ذلك على عملك وأعطه حقه وأن لا تظهره إلا بعد أن تتيقن بأن من وراءه هدف ورسالة قيمة. ولنعلم بأن النبتة لا تنبت إلا إذا غرست بذرتها في قاع الأرض وأحسن ريُّها ثم تنمو وتزهر.
الثقافة في نظري عنصر مركب من عدة أمور يجب أن تكون مترابطة منها الاطلاع والقراءة والبيئة المحيطة فإذا عدم هذا الترابط ضعفت الثقافة، وعندما نأتي لنتعرف على معناها في قاموس المعاني نجد بأن الثَّقافةهي العلومُ والمعارفُ والفنون التي يُطلب الحذق فيهاوأضيف مجتهداً عليها الأخلاق، فلا تقل لي أنك مثقف وأخلاقك سيئة تماماً كأن أسأل أحدهم هل صليت ويجيب بنعم فأقول له هل كنت متوضأ فيجيب بلا !! فهل تقبل صلاته؟! فنحن لا نقبل ثقافة شخص أن يكون قدوة وهو غير مطلع غير قارئ وغير ذي خلق.
“إنّ من خياركم أحاسنكم أخلاقا” صدق رسول الله ﷺ
الجيوب ملآنة والعقول فارغة، فهوس حب المال والجلوس على عرش الشهرة يهدم بل هدم كثير من القيم والأخلاق وأصبح الرقص شهرة والكلام البذيْ أيضا طريقٌ للشهرة وعمل الخير أصبح صرعة أو موضة تؤدي إلى الشهرة فيتحول العمل الخيري إلى عمل يشوبه الرياء ونسأل الله السلامة.
والخاتمة هذه المرة رجاء ورجائي هو أنني أتمنى من كل من له صيت وشهرة على شبكات التواصل الاجتماعي أن يقدم محتوى ذا نفع لنستفيد، فغالبية المجتمع الذي أقطن فيه كما بينته الإحصائيات تقول بأن معدل 5 ساعات يومياً من الوقت في دولة الإمارات يقضون جل أوقاتهم على هذه الوسائل، فلتكن لنا بصمة ترفع من شأن مجتمعاتنا، لا نريد مقاطع جميلة فقط لكثرة العوامل الفنية التي أدخلت وعند تفريغ المحتوى لا نجد بأن هنالك محتوى أو رسالة هادفة كالفوتوشوب على الصورة لغرض التجميل. نريد الجمال في كل شيء ونجعل قيمة الأخلاق قبل كل شيء فهي مفتاح لنقد الذات ومِن نقد الذات تبنى الذوات بما يرقي المجتمع والأجيال الحالية والقادمة فنحن نشهد حالة من هدم للأخلاق عبر كافة وسائل التواصل.
“المؤمن قوام على نفسه يحاسبها لله” … الحسن البصري
تحياتي
عمر بن يحيى الجفري
بارك الله فيك
LikeLike
جزيت خيراً على الطرح المهم
بابُ الشُّهرة بِلا بَوّاب
الغث والسمين له أن يدخل منه
لكن نحن من علينا أن لا نساهم في تألقهم وأن نرسم للجيل الصغير في محيطنا سمات من هو أهلٌ للمتابعة .
ولَك كل الشكر
LikeLike
“نريد الجمال في كل شيء ونجعل قيمة الأخلاق قبل كل شيء ” وانا أقرا شكثر تمنيت لو هالشي صدق يتطبق :’) إن شاء الله مجتمعنا فيوم يوصل لهالمرحلة من الوعي.
LikeLike