أهلاً رمضان

وها قد عاد شهر البشائر، شهر العتق من النار، شهر الفرح بعطايا الرحمن، شهر القرآن.

بداية لنقرأ الفاتحة على أرواحٍ انتقلت إلى باريها أخذت معها رونقًا كان في الشهر الكريم حاولت جاهداً أن أجد له مفردةً لوصفه فلم أجد؛ فهو شعورٌ كان يلازمها لم نعد نشعر به. كان لرمضان معهم رائحة زكية شذاها يطال القريب والبعيد، وأما الآن لا نشتم عبق تلك الرائحة إلا عندما نتذكرهم وتحوم أطيافهم أرجاء المكان.

رحل الكثيرون من هذه الأنفس الطاهرة التي كانت تملأ أرواحنا بأجواءٍ من الفرح والتهاليل بقدوم شهر الخير والبركة والعطاء، انقضى بهم العمر، وكان رمضان لهم كالصديق العزيز إذا غاب اشتاقوا لمجالسته وإذا حضر أنزلوه منزلته، كم نشتاق لهم.

ونسأل الله أن يمد في عمر من بقي منهم.

“وبقيةٌ في العصر منهم عُمِّروا .. لتكون فيهم مِتعَةَ الُمتمتعِ

ويكون فيهم للرُبوع وأهلها .. أنسٌ ونفع الطالب المُتَنفَّعِ

فالله يحفظهم ويَخلف منهم .. أمثالهم في حَيِّنا والمَربَعِ”

 شهر القرآن

منا من يستقبل شهر رمضان بحالٍ شغوفٍ لقدومه، متلهفًا لعودته السنة القادمة وكأنها قصة عشقٍ لا تنتهي، متواصلة طول السنة، في قدومه عشقٌ وفي انتظاره عشقٌ، يستقبلونه بـ”مرحب مرحب يا رمضان” من أول ليلة من لياليه وتستمر الفرحة حتى منتصف الشهر إذ قرب رحيله وتبدأ مراسم الوداع بـ” مودع مودع يا رمضان” حتى ليلة يوم العيد.

ومنا وللأسف على النقيض تماماً وكأن أنفسهم لا ترتجي الفضل الرباني، فيتأففون إذا ذكر قدوم شهر رمضان، لا يريدون أن تأتي على مسامعهم ذكره ويتحاشون أيامه وكأنهم لم يدركوا قول ربنا في الحديث القدسي “إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به” وكأنه العدو الذي لا يرجى لقاؤه.

يستقبلونه بالتثاقل بل يجعلونه شماعة الأعذار لأي خطأ يصدر من أنفسهم ويجعلونه هو سبب أخطائهم، والعياذ بالله من ذلك، يكررون التلفظ بـ “يا أخي رمضان، أنا صائم”، وكثير ما يرتكب الخطأ ومن ثم تلحقه عبارة “اللهم إني صائم” وكأنه شهرٌ يسمح فيه ارتكاب الأخطاء بحجة الصوم.

هو شهر الهدى، شهر البركة، شهرٌ تصفد فيه شياطين الجن. نعم قد تتثاقله النفس بسبب إمساكها عن الطعام والشراب، وفيه يتضح معدن هذه النفس وقيمتها، وهو في نفس الوقت امتحانٌ حقيقته إما مكرم أو مهان. “يكرم المرء أو يهان”

 “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ”.

 وأختم وأقول إن العمر عبارة عن قطار يعبر على عدة محطات، ورمضان إحداها، فلا تجعل قطار عمرك يعبر محطته سريعا وأنت متغافل عن عطاياه، اجعل من وصولك إليه غاية وعند مغادرتك الحرص على حصول الغنيمة، لذا اُحطُط رحلك واستقبله بالتهاليل والفرح، وودعه بالاعتبار والحزن ولسان الحال يقول:

“ودعَ وهو في الاحداق..يا ليته قد دام دون فراقِ

ما كان أقصَرَه على أُلاَّفِه..وأحبَّـة في طاعـةِ الخلاق

زرع النفوسَ هداية ًومحبة..فأتى الثمارَ أطايبَ الأخلاق

إقـرأ،، به نزلتْ، ففاض سناؤُها..عطرًا على الهضبات والآفاق

وليلةِ القدْر العظيمةِ فضلُها..عـن ألفِ شهر بالهدى الدفَّاق

فيها الـملائكُ والأمينُ تنزَّلوا..حتى مطالعِ فجرِها..الألاق

في العامِ يأتي مرةً لكنّه ..فاق الـشهورَ به على ..الإطلاق”

تحياتي

عمر بن يحيى الجفري

2 comments

  1. جدًا جميل قلمك .. الله يجعلنا فيه من المقبولين الفائزين بغنائمه وعطاياه ♡🌷

    Like

Leave a Reply